في مقال سابق لي بعنوان (المرأة اليوم) تطرقت لمدى أهمية النظر للمرأة العاملة ككيان مستقل له توجهاته وفكره ، وليس كتابع فقط أو مجرد وجه جميل ، وتحدثت عن أحد المعوقات التي تحول بين المرأة وبين تحقيق الاستقرار النفسي والنجاح المهني الذي تنشده . وتناولي لهذا الموضوع كان من منطلق أننا مجتمع مثقف يواجه ثورةَ تطورٍ اقتصاديٍ وتنمويٍ واسع النطاق ، ونعي تماماً أهمية عمل المرأة وتوسع مجالاته.. وندرك حاجتنا لكل فرد في بناء لبنِات مجتمعنا الذي تغلب فيه نسبة النساء على الرجال.. لكني فوجئت بردود أفعال تفتقر إلى الواقعية والوعي بظروف الحياة المعيشية في هذا العصر، وبعيدة كل البعد عن الرقي في طريقة التناول وأسلوب الطرح .. بل وصل الأمر لاتهامات مباشرة بمناصرة دعوات تحرير المرأة !
ومع أن الدين الإسلامي الحنيف قد حفظ للمرأة حقوقها كاملة وأعلى من شأنها وشرفها بحجابها الذي يصونها ويحفظها من أعين المتطفلين إلا أن هناك من لايزال يعارض عمل المرأة ويرى أن مكانها هو المنزل فقط ، ويحرمها من تطبيق ما تعلمته في المعاهد والجامعات ؟! لازال هناك من يمنعها من خدمة الوطن والأمة الإسلامية !!
لازال هناك من ينظر للمرأة على أنها عورة يتوجب سترها !! وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم : “هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً ، فامشوا في مناكبها وكلو من رزقه وإليه النشور” والامر بالمشي جاء في الاية مطلقا والامر اذا اطلق عند علماء الاصول يفيد اولا الوجوب ويفيد ثانيا العموم بمعنى انه يعم الذكر والانثى والكسب في الشريعة الاسلامية جائز للمرأة كما هو جائز للرجل في اطار الحلال، ولنا أكبر مثال في السيدة خديجة رضي الله عنها التي تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم فساندت زوجها بمالها ونفسها والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر على هذا العمل لا قبل البعثة ولا بعد البعثة، ممن النساء الفقيهات السيدة عائشة رضي الله عنها التي حملت عبء الدعوة وبلغت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يمكن للنساء وجود الجواب عنه الا عندها ، وقد حفظ لنا التاريخ الكثير من النساء اللواتي كن يعملن عملا لا يتعارض مع واجب البيت وبنية الانوثة . وكل ذلك يعزز ما أدعو إليه من ضرورة النظر إلى المرأة بعين التقدير واحترام قدراتها وإمكانياها الكبيرة ، لبناء مجتمع صالح ومثقف ومتفتح فكرياً .. فالمرأة تملك طاقة تمكنها من الموازنة ما بين عملها وبيتها ، بدلا من ضياع وقتها على الهاتف أو التلفاز أو الحفلات والأعراس .. وحتى إن قلنا ان عليها أن تستثمر وقتها في شيء مفيد كقراءة القرآن وحفظه أو تعلم دورات متنوعة، فماذا بعد ذلك ؟! هل تحتفظ بالعلم والمعرفة والخبرة التي اكتسبتها وتغلق عليها أبواب المنزل ؟! لنكن منطقيين !!
إن عمل المرأة ينضج فكرها ، وهو فرصة للقاء شخصيات تختلف عنها فكراً وثقافة ومعتقداً .. وتثريها التجربة وتقوي روحها وشخصيتها .. والتجربة خير برهان..أما فكرة تعاملها مع الرجال ، فهذا أمر لا يمكن منعه أو اجتنابه مع مراعاة تعاليم الدين في مسألة الخلوة التي تعني الانفراد والتي لا تتحقق في حال تعدد النساء او الرجال في مكان واحد وهو ما ذهب إليه الحنفية، وما ذكره النووي وغيره من الشافعية . والمرأة اليوم دخلت جميع المجالات تقريباً ، فهي الطبيبة التي تشرف على الولادة وتناقش حالة الأم والطفل مع الزوج المترقب خارج غرفة الولادة .. وهي الصحافية والإعلامية التي تكتب وتحاور وتلقي الضوء على شخصيات هامة في المجتمع .. وهي المهندسة التي تنزل للميدان لتطمئن على سير العمل .. وهي الممرضة التي تحقن المريض بالأدوية المسكنة للألم بغض النظر عن كونه رجلاً أو إمرأة !!
لذا فلنفسح المجال للمرأة التي تعطي بحب وإخلاص وتميز، ونتوقف عن لوم الغير على أخطائنا ، وإن كانت الفضائيات وبعض وسائل الإعلام قد استغلت جسد المرأة وجعلت منها وسيلة جذب ، فدورنا رجالاً ونساءً هو محاربة هذه الفكرة وتغييرها وليس الاستسلام لها وجعلها حجة ومبرراً لسلوكيات تفكك مجتمعنا وتهدم قيمه، وهذا ببساطة ما أدعو إليه . إذن فليبدأ كل منا بنفسه فقد قال الله تعالى : “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” .. صدق الله العظيم