سنحاول مرّةً أخرى !!

سقطت على ذلك الخط الأسود .. قد أسموه "الحدود"

سقطت أمي هناك تقبّل تربة الوطن , تمسك ترابه بين أناملها البيضاء و تشمه من أعماقها ...

فلسطينيةٌ .. كانت , و كانت عروبة ..
أدعوها أمي .. و أنا ابنتها الصغيرة .. أقف بجانبها بفرحٍ غامر , و بخوفٍ عليها , و بانتباهٍ كامل على كلّ اتجاه في أرضنا , آه ...... يا أمنا ..!!

أكتب لكِ ..... أشتاق لعينيك .. أذكر يديكِ جيداً .. و تلك الدموع الشفافة .. أعشقها , أمي .. و ابنتي أيضاً .. أنتِ كلّ شيء


وقفنا عند الخط الأسود , و وقفت أمي بعد حين , و مشينا .. معاً نحو قلب الوطن , أحمل بكفٍّ حقيبةً صغيرة , و بكفٍّ تلك اليد الدافئة . و بعد خطوتين .. أو ثلاث .. نسمع أصواتاً ليست غريبة , و كلماتٍ ليست جديدة , أحاديث مختلطة .. نقف و نستدير نحوها فنجد مجموعةً من "حراس الحدود" يطالبوننا بالتوقف .. _ أو ربما قد أسأنا الفهم !! _ و توقفنا , نظرت إلى عينيّ أمي العسليتين .... تشعّان قوّة و تحدٍّ .. ارتحتُ لأنني اعتدت أن أشعر بالأمان معها , و لم تهمني نظراتهم و أحاديثهم .

_ إلى أين ..؟؟!!
- إلى دارنا .
_ و أين دراكم ..؟؟
- هناك .. في نهاية هذا الطريق الضيق , بيتنا صغيرٌ و حوله حديقةٌ واسعة , لا نحمل معنا سوى أنفسنا , لا نريد سوى العودة إلى الوطن ..
_ تأشيرة الدخول
- لا نملك واحدة !!
_ الهوية
- قد ضاعت
_ أية ورقةٍ رسمية !

نظرنا إلى بعضنا بخيبة , و صحت : - لا نملك شيئاً رسمياً سوى بصماتنا !!

_ عودوا من حيث أتيتم ... لا تستطيعون العبور .
- لماذا ؟؟؟ نحن أبناء هذه الأرض , و هذه أمي ... تحفظها بكلّ شبر .. و تعلم كلّ طريقٍ .. اسأل كلّ حيٍّ هنا يخبرك عنا !
_ يا صغيرة لا تكوني عنيدة .. وارجعي !
- نريد العبور ..
قلتها بإصرارٍ و عزم .. و شددتُ قبضتي على يديها .

أمي عندما حاول "الجندي العتيد" ردنا سحبتني إلى الخلف , ووقفت بيننا .. و قالت له : - لن تمنعنا يا ولدي
فأجبتها أنا : - لن يفهمك يا أمي , دعيني أكلّمه أنا ..

هنا .. بدأت طلقاتٌ نارية من حيث لا ندري ..بعيدة و قريبة .. سحبتها بقوة لنبتعد إلى مكانٍ آمن .. لكنها كانت تقاوم , طلقة واحدة قد أخطأت هدفها , لم أعلم أكانت من بندقيةٍ غريبة أم بندقيةٍ "محلية" .. لكنها أصابت أمي .. و سقطت أمي على تربة الوطن ...........على ذلك الخط الأسود , و لم تقف بعدها ..!

قبل أن أبكي .. قبل أن أودعها .. اتجهت إلى المكان الذي أتيت منه ... قد علمتُ أنني سأجدها هناك , و ابتسمت .. كانت بانتظاري .. عانقتها بشدة ..

همستُ : - سنحاول مرّةً أخرى !!